وصف المدون

إعلان الرئيسية

إختارنا لك

 


أستاذ الفقه المقارن جامعة الأزهر: "إذا وافق الوالدان على الإقامة فى دار المسنين فلا بأس من ذلك"


تحقيق: هاجر محمد وياسمين فاروق وملك زهران ونغم زهران


يعيش العالم العربي العديد من الظواهر الاجتماعية إيجابية كانت أو سلبية، والتي في أغلبها دخيلة على ثقافتنا وعاداتنا وأخلاقنا وقيمنا التي نؤمن بها، فظهرت بعض الظواهر التي ضربت بكل القيم والمشاعر الجميلة عرض الحائط ومن إحدى تلك الظواهر التي بدأت الانتشار في عالمنا العربي هي تخلي الأبناء عن الآباء ليعيشوا في دور للمسنين، حتى أصبحنا نرى تزايدًا في أعداد دور المسنين وأصبح الأبناء يتخلون بسهولة عمن سهروا الليالي من أجل راحتهم، فكان في الأخير جزاؤهم الإيداع في دور للمسنين وكأن مدة صلاحيتهم انتهت.

من زمن ليس ببعيد كان الآباء والأجداد يحظون بالتقدير والتوقير والاحترام من كل أطراف العائلة ولكن الزمان تغير وأصبحت فئة من الأبناء تتباهى بعبارات التقدم والرقي فيتركون آباءهم بكل سهولة في دار المسنين وحجتهم الواهية هي أنهم غير قادرين على تحمل الأعباء وغير قادرين على حمل تلك المسؤولية التي يظنون أنها صعبة للغاية، وفي إطار ذلك رصدنا بعض القصص من داخل دور المسنين على لسانهم يعبرون فيها عن مدى استيائهم وحزنهم ومدى شعورهم بالعجز


تخلي أم رعاية

قالت هالة علي، موظفة بالشؤون الطلابية، إنها ضد فكرة دور المسنين وتراها وسيلة من وسائل التخلي عن الوالدين بدون رحمة، مضيفة أنها شاهدت العديد من الأسر التي تترك آباءها في دور الرعاية وانقطاع الزيارة عنهم بشكل تدريجي حتى ينسوا أنهم على قيد الحياة.

ومن جانبه أكد عمرو سامي، موظف بأحد الشؤون الحكومية، أن دور رعاية المسنين بالنسبة له ما هي إلا "دور لمن لا ينجبون رجالًا" لأنها تعتبر ابتعادًا عن الواجب المستحق للأهل.

وعلى النقيض الآخر أوضحت سالي عبد العظيم، مدرسة ثانوي عام بالقاهرة، أن دور المسنين ليست نقمة كما يعتقدها البعض بل هي أحد سبل الرعاية المناسبة لكبار السن خصوصًا المصابين بالزهايمر والأمراض المستعصية.

وتابعت قائلة: "مكنتش عارفة أتعامل مع والدي لأنه كان مصاب بالزهايمر وكان بينزل من البيت وأنا في الشغل وكنت بخاف يتوه بعيد عني، جربت أوديه دار رعاية بمنطقة المقطم ولاقيت أن الموضوع ساعده وساعدني جدًا"، مؤكدة أن زيارتهم بالدار باستمرار عنصر مهم للغاية بالإضافة إلى ضرورة التأكد من ماهية الدار والمسؤولين عنها وكيفية معاملتهم للمسنين.


ضعف وانكسار

بدأت الحكاية عندما قمنا بالذهاب إلى دار المسنين التي يقع في إحدى ضواحي القاهرة، وعندما دخلنا الدار وجدنا عددًا من المسنات تتراوح أعمارهن بين ٦٠ و٧٠ عامًا، فمنهم الذي رفض أن يحكي أو يتفوه بكلمة لشعوره بالحسرة والحزن حيث غابت عن وجوههم بارقة الأمل بسبب ما فعلته بهم عائلاتهم ومنهم الذي رحب بنا وكان على أتم الاستعداد أن يحكي لنا قصته.

 وبدأنا الحديث مع المسنة "سلمى" البالغة من العمر ٧٠ عامًا فتحكي لنا والدموع تنهمر من عينيها قائلة: "كنت أعيش أجمل أيام عمري لحد ما زوجي توفي، ولكن إرادة الله كانت الأقوى فلم يرزقني الله بالذرية والأولاد وهذا قدري ونصيبي وأحمد الله على كل حال، ولكنه عوضني بأبناء إخوتي فكنت أحبهم كثيرًا، أما هم فكانوا يمثلون علي هذا الحب واكتشفت هذا مؤخرًا بعد وفاة زوجي".

وأوضحت سلمى، أنه مر على وفاة زوجها سنة وكانت أكثر سنة تعيسة بالنسبة لها إلا أنها قررت الخروج من هذه الحالة بالسفر لتنسى هذه الهموم والمشكلات، ولكنها فوجئت بعد أن رجعت أنهم قاموا بسرقة شقتها فشعرت في هذه اللحظة بالضعف والانكسار فهي وحيدة ليس لديها أي شخص.

واختتمت سلمى حديثها والدموع تنهمر من عينيها قائلة: "بعد مرور الأيام أصبحت كبيرة وغير قادرة على القيام باحتياجاتي الأساسية وازدادت المشكلات بيني وبينهم، وتعقدت فكنت خائفة فأردت أن أبحث عن مكان آخر أشعر فيه بالأمان والحنان، فطلبت منهم أن يأخذوني إلى دار مسنين ويأخذوا كل ما لدي وبالفعل وافقوا وذهبت إلى الدار، ففي البداية كنت غير سعيدة أما الآن فشعوري يختلف تمامًا فأحس أنني في بيتي الخاص".

 

من حب إلى عنف

"ابني تخلى عني بعد ما ربيته".. هكذا بدأت السيدة المسنة "ا.ص" البالغة من العمر "٦٥ عامًا" حديثها قائلة: "ابني تخلى عني بعد ما كان هو نور عيني"، موضحة أنها تزوجت ثم أنجبته هو فقط، فكانت تسانده دائمًا وتعطيه كل ما يريده قبل أن يطلبه، فكبر وتخرج من الجامعة وأراد أن يخطب زميلته وبالفعل خطبها وبعد سنة تزوجا.

وأضافت "ا.ص" باكية بحرقة أثرت على قدرتها على استكمال حديثها: "بعد عام تقريبًا زوجي توفي فانتابي شعور بالحزن الشديد فكنت غير مصدقة لكل ما يحدث حولي بالإضافة إلى تغير ابني معي فبدأ يعاملني بقسوة وعنف وطلب مني بيع الشقة وأن أعيش معه في شقته فوافقت".

واستكملت: "ولكن زوجته كانت لا تطيقني وكان ابني يقوم بإهانتي بسببها، مؤكدة أنها في يوم من الأيام فوجئت بابنها يقنعها بالإقامة بدار المسنين وأنه سيتولى كل تكاليف الإقامة، فلم تجد إلا الاستجابة لطلبه برغم عدم رضاها على الإقامة بالدار، ولكنها مجبرة بدلاً من الإهانة والمعاملة الجاحدة منهم".

وقالت بحسرة شديدة: "عندما وصلت الدار ودعني وسدد لي ثمن إقامتي"، مؤكدة أنها تقيم هنا منذ سنة تقريبًا ولكنها سعيدة لأن الحياة هنا هادئة ومريحة، قائلة: "وجدت السعادة هنا بتبادل الحديث مع رفيقاتي".


مشرفة بدار مسنين: "الدار لا يساندها أي جهات حكومية وتعتمد فقط علي التبرعات كعائد مادي"


فئة مهمشة

قال "س"، أحد المسؤولين عن الدار: "هذه الدار خاصة تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعي، مؤكدًا أن دُور المسنين في مصر تواجه العديد من المشكلات المادية فليس هناك أحد يتبرع لهم، وبالتالي ففئة المسنين هي فئة معدومة في المجتمع".

وأضاف "س"، لا نتلقى أي تبرعات أو معاشات من وزارة التضامن أو الدولة أو حتى جهة خاصة قائلاً: "عندنا في الدار حالات مجانية وهذه الحالات نستلمها بموجب محاضر أو إذن من النيابة وهناك حالات أخرى بتدخل الدار بمقابل فاللي بيدفع بيشيل غير المقتدر أو اللي ملوش أهل بمعنى أصح وعشان خاطر كمان تمشي الحياة داخل الدار، وفي نفس الوقت نقدر نصرف مرتبات للناس اللي قايمة على خدمتهم ٢٤ ساعة".

وأوضح "س"، هناك شروط لعمل المشرفين في هذا الدار وهي أنه يجب أن يكونوا أصحاب مؤهلات عليا ولديهم خبرة سابقة في مجال رعاية المسنين لأنهم يحتاجون إلى رعاية خاصة، بالإضافة إلى أنهم يجب أن يكونوا خلوقين ومحترمين ويراعون ضمائرهم في العمل.

واختتم حديثه، نقبل المسنين في الغالب فما فوق ٦٠ سنة ويجب أن يكون لدى المسن شخص يتولى مسؤوليته ابن أو ابنه، ولكننا مضطرين أن نقبل فاقد الأهلية إذا كان إذنًا من النيابة حيث نواجه العديد من المشكلات الحكومية إذا توفي هذا المسن فاقد الأهلية وخاصة في الأوراق والإجراءات الخاصة به والمتعلقة بدفنه، فوجود ابن أو ابنة للمسن يزيل العديد من العقوبات أمامنا إذا توفي.


"رسالة" لمسنين بلا مأوى

وفي حديثنا مع أحد المشرفين على دار المسنين في جمعية رسالة قالت مي شعبان، إنهم يستقبلون كافة المسنين سواء كانوا مرضى أو متعافين، مشيرة أنه من شرط قبولهم الوحيد هو ان يكون المسن بلا مأوى ويكون الراتب الشهري له أقل من ألف جنيه ولا يتحمل تكاليف الذهاب لدار مسنين خاصة، ولذلك تكون الدار في الجمعية "رسالة" مسؤولة عن كافة احتياجاتهم من ملبس ومأكل ومسكن وأدوية.

استكملت مي حديثها: "إن الدار توفر للمسنين مشرفين يقومون بخدمتهم ورعايتهم حتى أنهم يقومون بغسل أجسادهم والتأكد من صحتهم وسلامتهم"، مضيفة أن الدار تهتم بإقامة حفلات ترفيهية ورحلات للتخفيف عن نفسية المسنين وإدخال السرور عليهم.

وتابعت "مي" حديثها قائلة: "الدار تهتم باختيار صفات المشرفة أهمها أن تكون عطوفة وصبورة وتكون قادرة على التعامل مع المسنين وتلبية كافة احتياجاتهم"، مشيرة أن الدار تعتمد على التبرعات المقدمة لهم من الناس وأيضًا الملابس التي يتبرع بها الأفراد، ويقومون ببيعها بمبالغ رمزية ويصرفون على المسنين منها.

وفي السياق ذاته قالت "مي"، إن الدار لا تساندها أي جهات حكومية وتعتمد فقط على التبرعات كعائد مالي، مؤكدة أن وزارة التضامن لا تأتي سوى مرة في السنة لتراقب أعمال الدار فقط دون أن تقدم أي مساعدات لهم.

وأضافت مي شعبان، أن الدار تهتم بمشاعر المسنين وتوفر لهم مشرفين يقومون بدور "الابن"، كما أنها توفر كورس علاج لكبار السن ذوي الأمراض النفسية والذين يعانون من الاكتئاب.

وأكدت المشرفة مي، أن أكبر المشكلات التي تواجههم حينما يصبح المسن مريضًا للغاية، فتقوم الدار بالذهاب به إلى المستشفى فتكون التكلفة كبيرة عليهم، ولكنهم يحاولون بقدر الإمكان توفير كافة حقوقهم لينعموا بحياة صحية كريمة.

 

قانون حقوق المسنين

حسم مجلس الشيوخ قانون "حقوق المسنين" الذي يهدف إلى حماية ورعاية كبار السن والتأكد من تمتعهم بجميع حقوقهم في المجتمع بالإضافة إلى تعزيز كرامتهم وتوفير حياة كريمة لهم.

وشمل القانون على باب العقوبات للتصدي لأي إهمال في حق المسنين، ونص ذلك في مشروع القانون على أنه "يُعاقب المهمل بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين".

حيث تكون عقوبة أي مستغل للمسنين الحبس مدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

ووفقًا للتشريع، إذا تسبب أي شخص حتى لو صاحب الدار بجرح أو إيذاء للمسنين تكون عقوبته الحبس، وإذا نشأ عنه عاهة أو أدى إلى وفاته تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس سنوات.

وقال حسام حسن المحامي بالنقض والإدارية العليا، "إن الدولة قامت بمنح معاش لكبار السن من سن الخامسة والستين أو لمن يعانون عجزًا أو مرضًا مزمنًا وليس لهم دخل، بالإضافة إلى أنه تم إعفاؤهم جزئيًا من تذاكر وسائل المواصلات وغيرها".

وأضاف "حسن"، أنه من أهم المزايا التي جاءت في القانون هو إنشاء صندوق بوزارة التضامن الاجتماعي يسمى "صندوق رعاية المسنين"، والغرض من إنشاء هذا الصندوق هو رسم السياسات العامة لتمكين المسنين اقتصاديًا واجتماعيًا وتنمية قدراتهم بما يخدم المجتمع.

 وأشار حسام حسن، إلى أنه يعاقب الشخص بالغرامة التي لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 500 ألف جنيه إذا قام بإنشاء مؤسسات رعاية اجتماعية لرعاية المسنين دون الحصول على ترخيص.


طبيب نفسي: "التخلي عن الوالدين ناتج عن أسباب نفسية تكونت منذ مرحلة الطفولة"


أسباب نفسية

قال الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي بالأكاديمية الطبية العسكرية، "إن فكرة دار المسنين في حد ذاتها فكرة طيبة لمن لا مأوى لهم، لكن غير ذلك يُعتبر تخليًا عن المسؤولية".

أوضح فرويز أن التخلي عن الوالدين ناتج عن أسباب نفسية تكونت منذ مرحلة الطفولة عن طريق التربية غير السوية وتعنيف الأطفال ومعاقبتهم بشكل قاسٍ.

وتابع جمال قائلاً: "إن التربية السوية ضرورية، وتعد الحصن المنيع لإنشاء رابطة المحبة والرحمة بين الابن ووالديه"، مضيفًا ضرورة الاستعداد النفسي والاجتماعي الكافي لكل أب وأم لتربية فرد سوي وذلك من خلال اختبارات الفحص النفسي التي تتم قبل الزواج.

وأكد "جمال"، أن أول مرحلة من مراحل التربية الإيجابية هي تكوين علاقة صداقة بين الطفل وأسرته، وعدم السخط منه ودعم ثقته بنفسه والابتعاد عن الضرب والعنف مهما أخطأ، مشيرًا إلى ضرورة تعزيز الروح المعنوية للمسنين في دور الرعاية، والقيام برحلات ترفيهية والدقة في اختيار المشرفين حتى لا يتعرضوا للأمراض النفسية والاكتئاب.


باب للجنة

قال الشيخ فتحي عثمان الفقي، أستاذ الفقه المقارن جامعة الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء، "إكرام كبير السن واحترامه ورعايته اجتماعيًا وأسريًا من المبادئ الهامة جدًا في الإسلام"، حيث قال الله تعالى: "إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا".

وأضاف "الفقي"، قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "إنَّ من إجلالِ اللَّهِ إِكرام ذي الشَّيبةِ المسلمِ"، فهذه دلالة واضحة على أنه من أوجب الواجبات رعاية الآباء في هذا العمر وأنه باب من أبواب الجنة.

وأكد "الفقي"، أن حق الوالدين على الأبناء عظيم والبر بهم والإحسان إليهم جاء به القرآن الكريم، فإذا لم يكن في مقدور الأبناء رعاية الوالدين بأن يقوموا على خدمتهم ورعايتهم فليستأجروا لهم من يقوم بذلك، وإذا لم يكن بمقدور الأبناء إسكان الوالدين عند بلغوهم السن الذين يحتاجون فيه إلى رعاية، إذا وافق الوالدان على الإقامة فى دار المسنين وكان ذلك بكامل إرادتهم وليس بسبب إهمال الأبناء فلا بأس من ذلك.

واختتم "الفقي" حديثه: "مع دوام الزيارة لهم ورعايتهم وتلبية احتياجاتهم من مأكل ومشرب وملبس وعلاج ورعايتهم معنويًا إلا فهم آثمون وعاقون لوالديهم، وعقوبتهم معلومة في الدنيا".


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

شاركنا برأيك

Back to top button