وصف المدون

إعلان الرئيسية

إختارنا لك

 


 معايشة لحياة الأطفال من داخل دور الأيتام

أحد علماء الأزهر: "التبني محرم في الإسلام لأنه يعني اتخاذ الشخص ولد غيره ابنًا له"


تحقيق: ياسمين فاروق وهاجر محمد وملك زهران ونغم زهران


يتساءل الكثيرون عن ماهية دور الأيتام في مصر هل هي نعمة لمن لا ملجأ لهم أم نقمة يحدث بداخلها ما لا يُقال أو يُرى، حيث انتشرت دور الأيتام في مختلف المحافظات باختلاف ملكيتها، وتحمل كل دار بداخلها قصصًا متنوعة لأطفال حرموا من ممارسة طفولتهم بين أحضان والديهم لذلك سنرصد قصص أطفال بعضهم عانى فوق معاناتهم والآخر حالفه الحظ بدار تحظى بالإنسانية.

خلال الفترة الماضية ازداد عدد الانتهاكات بالكثير من دور الأيتام في مصر ووفق تقديرات غير رسمية فكان ذلك سببًا لإغلاق أكثر من ٢٥ دار أيتام وعزل نحو ٤ مجالس إدارات أخرى.

وتشهد وزارة التضامن الاجتماعي حاليًا فترة إصلاح لمنظومة الرعاية للأطفال ولجميع فاقدي الرعاية في مصر، حيث قررت الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي صرف معاش للطفل بقيمة 350 جنيهًا، وذلك للأطفال الأيتام بمؤسسات الرعاية، ويتم صرف 700 جنيه للطفلين في الأسرة وصرف 1050 جنيهًا لثلاثة أطفال.


عاملة سابقة بدار أيتام: "رأيت بعيني أثار تعذيب الأطفال أثناء قيامي بتغيير ملابسهم"


تخويف وترهيب

قالت "م.أ"، إحدى العاملات في دار أيتام بالجيزة: "أنا كنت شغالة في دار أيتام ومن ساعة ما اشتغلت كنت بلاقي آثار تعذيب على أجسام الأطفال وأنا بغير ملابسهم وكنت لما بسألهم مين عمل كده كانوا بيخافوا يردوا".

وأضافت أنها قدمت شكوى لصاحب الدار وأبلغته عن كل ما رأته بجسد كل طفل لكنه تجاهل الأمر وبعدها بأيام قام بطردها من الدار، معربة عن عجزها لمساعدة الأطفال لأنهم لم يقروا بما كان يحدث لهم خوفًا لذلك ابتعدت تمامًا عند تلك المنطقة وعن العمل بأي دار أخرى.


الاتجار بمشاعر الناس

خلال رحلة بحثنا عن دور للأيتام ظهرت ملفات كثيرة عن استغلال بعض الدور للأطفال وتعذيبهم واستخدامهم كواجهة لجمع المال والتبرعات ليضعوها في الأخير داخل جيوبهم.

وفي إطار ذلك روى "م.ج"، الذي رفض ذكر اسمه، أن هناك الكثير من الفضائح الشنيعة التي تفعلها بعض دور الأيتام التي تستغل الأطفال أبشع استغلال في تغافل تام من قبل وزارة التضامن الاجتماعي.

وقال "م.ج": "مؤسسات خيرية كتير بتعامل المحتاجين سواء أيتام أو مشردين زي البضاعة الحلوة في الفاترينة بمعنى إنه لازم يكون عندك بضاعة من البشر توجع قلوب الناس فنعرف نطلع الفلوس اللي في جيوبهم".

وتابع حديثه، أن تلك المؤسسات الخيرية من يعمل بها من أسرة رئيس المؤسسة فبالتالي تذهب الأموال لصاحب المؤسسة وأهله الذين يزعمون أنهم يعملون لله، مؤكدًا أنهم يقومون بالسرقة من خلال بيع الطعام والمستلزمات بحجة أنها زائدة، مضيفًا أنهم يقومون بالتزوير والسرقة من خلف الستار.

ووجه "م.ج"، رسالته في نهاية حديثه إلى النيابة العامة المصرية لوجوب التعامل مع تلك المؤسسات الفاسدة وجمعيات الأيتام والمشردين من خلال قانون الاتجار بالبشر والذي بدوره ينص على عقوبات رادعة لأولائك المستغلين وبالتالي يخاف كل لصوص الخير في الجمعيات والمؤسسات الخيرية من سرقة أموال من لا ملجأ لهم.

 

طلب استغاثة

 تعددت الفيديوهات والمنشورات الخاصة بتعذيب الأطفال على السوشيال ميديا، وبالرغم من محاولة إخفاء الحقيقة لكن كما نعرف أن "السوشيال ميديا" بحر مفتوح، حيث أشكال التعذيب والعنف بكل الطرق والأذى الجسدي والنفسي للأطفال بشكل يرثى له.

ونشر "ر.أ"، أحد المستغيثين على صفحته الشخصية "بالفيسبوك" الكثير من تلك القصص والكوارث التي تحدث داخل بعض دور الأيتام، حيث حاولت طفلة بدار أيتام في الإسكندرية إلى الانتحار من خلال القفز من النافذة لسوء معاملتها وقسوة المشرفات عليها، ولحسن الحظ ساعدها الناس على تلقي العلاج اللازم.

وكانت تلك الطفلة أول خيط لكشف العديد من الكوارث داخل الدار ومنها كشوف العذرية التي تتم على الأطفال الذين لا تتعدى أعمارهم 4 سنوات بالإضافة إلى تغيير أسمائهم لأسماء لم ترفق بقرار النيابة، وتعد الكارثة الأكبر هي أن كل التقارير رسمية ومصرحة من الشؤون الاجتماعية المسئولة عن الدار وعن الأطفال.


موهبة رغم قسوة الحياة

في وسط حي المقطم يقع دار صغير متكاتف يضم ١٣ فتاة منهم التي يظهر على وجوههن الحسرة ومنهم التي لا تفارقه الابتسامة طوال فترة جلوسهم معنا حيث تسعى الدار جاهدة لتوفر لهم ما يحتاجونه أو ما ينقصهن، فخلال مجالستهم معنا عبروا عن فرحتهم بوجودهم في الدار حيث يوفر لهم الدار الكثير من الأنشطة الترفيهية والرحلات حيث قضوا الأسبوع الماضي ٥ أيام في مشتل بالعين السخنة وحكوا لنا عن جمال هذه الرحلة التي قضوا فيها أمتع الأوقات مع بعضهم.

فتروي "صفاء" حكايتها صاحبة "١٥ عامًا"، أنها موجودة في هذا الدار منذ صغرها فهي تعتبره بيتها الحقيقي بالفعل، فهي تلهو وتلعب ولا يخلو وجهها من الابتسامة الصافية فتعتبر كل صديقاتها في الدار هم أخواتها الحقيقيات ولا تعرف من هي عائلتها أو لماذا تخلوا عنها.

وتابعت "صفاء"، بأنها تعشق الرسم فهي تبدع في رسم شخصيات الأنمي الخيالية بطريقة بريئة وطفولية، مضيفة بأن الدار يساعدها في تحسين هذه الموهبة من خلال توفير جميع أدوات الرسم التي تحتاجها، فتتطلع أن تلتحق بكلية الفنون الجميلة وأن تصبح رسامة مبدعة قائلة: "أريد أن يكون لي دور في المجتمع".

وأوضحت صفاء، بأنها سعيدة في هذا الدار ولولا هذا الدار فما عرفت ما مصيرها، مضيفة بأنه يوفر لها كل ما تريده أو تحتاجه من مأوى وملبس جديد أو مأكل نظيف أو رحلات لتلهو هي وصديقاتها، مؤكدة بأنها تكون في غاية سعادتها إذا جاء أحد الزوار لزيارتها.





الطموح يصنع الحلم

أما عن "أميرة" ١٨ سنة، فكانت ترتدي ملابس بسيطة جدًا عبارة عن إسدال بني اللون، وفي وجهها ابتسامة لا تفارقها فكانت مرحبة بنا كثيرًا، وقد روت لنا أميرة حكايتها حيث جاءت الدار وهي في عمر الشهرين فتعتبر الدار بيتها الحقيقي، وأميرة ملتحقة بمدرسة السيدة نفيسة بمدينة نصر إذ يوفر لها الدار جميع الدروس الخصوصية لأنها في الصف الثالث الثانوي وكذلك تجد مساعدة من المشرفين إذا واجهتها أي صعوبة في المذاكرة.

تستيقظ أميرة كل يوم مبكرًا تذهب للدرس ثم تعود للدار فهو بيتها الذي تشعر فيها بالأمان، وحلم أميرة بسيط للغاية وهو التحاقها بكلية الإعلام جامعة القاهرة حيث أعربت عن إعجابها الشديد بهذه الكلية فهي تحب مجال الإعلام كثيرًا، وأضافت أميرة بأن الدار يوفر لهم أنشطة ترفيهية ومنها التلفزيون، كما أنها تمتلك محمولاً شخصيًا، وتمارس أيضًا الرياضة في ناد بمنطقة حلوان حيث تذهب ثلاثة أيام في الأسبوع وهم الأحد والثلاثاء والخميس.


بعض المؤسسات الخيرية قائمة بهدف جمع الأموال والسرقة


أين دعم الوزارة؟

قال "س"، أحد المسؤولين في الدار: "هذه الدار خاصة ولكنها تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعي، موضحًا أن الدار تواجهه العديد من المشكلات المادية ومنها مصاريف الفتيات والأولاد في المدارس الخاصة أو المعاهد الخاصة قائلاً: "أحيانًا بندخلهم معاهد خاصة لأن التنسيق مبيدخلهمش جامعات حكومة بسبب مجموعهم فبنضطر ندخلهم هذه المعاهد رغم أن مصروفاتها تفوق قدرتنا المالية ورغم ذلك بيكون الخصم من هذه المعاهد قليل جدًا وأيضًا فيه وقت محدد لازم نسدد فيه كل هذه المصاريف".

وأضاف "س"، رغم إصدار وزارة التضامن الاجتماعي لمعاشات للأطفال الأيتام ولكننا لم نتلق من الوزارة أي مساعدات أو تبرعات أو معاشات ونعتمد فقط على التبرعات النقدية والعينية التي تأتينا من الزوار.

وأوضح "س"، من المفترض قانونًا خروج الفتاة أو الولد من الدار عندما يبلغون السن القانوني وهو ١٨ سنة، ولكن الشؤون في هذه الدار ترفض فعل مثل هذا، قائلاً: "حرام بعد ما ربيناهم وكبرناهم وعلمناهم نرميهم في السن الصعب ده كده بنضيع مستقبلهم".


أحد المسؤولين عن أحد دور الأيتام: "قمنا بتفيذ نظام الرعاية اللاحقة لأنه ضروري في مثل هذا السن"


نظام الرعاية اللاحقة

واستكمل حديثه، فقمنا بعمل نظام اسمه "الرعاية اللاحقة" ونقوم فيه باستئجار شقق لتقيم فيه البنات بعد بلوغهن سن ١٨ سنة وتتولى الإشراف عليهن مشرفة لمساعدتهن في الدراسة والنظافة والصلاة ودخولهن وخروجهن من الشقة وأيضًا ليعيشوا حياة طبيعية مثل حياة أي شخص آخر موضحًا: "احنا بنأجر الشقق ديه عشان البنات تكون مرتاحة نفسيًا لأن البنت لما بتدخل الجامعة وشخص يسألها إنتي ساكنة فين بيكون صعب بالنسبالها إنها تقول أنا ساكنة في دار كذا".

وأكد "س"، أن الرعاية اللاحقة لا تقوم بها كل دار فتكون على حسب القدرة المادية الخاصة بكل دار أو على حسب الأشخاص القائمين على هذا الدار، مضيفًا أنهم يحاولون بكافة الطرق أن يكونوا السبب في إسعادهم ووصولهم لمستقبل أفضل.

واختتم حديثه: "قامت وزارة التضامن باستحداث نظام جديد بدلاً من نظام التبني وهو نظام الكفالة الخارجية أو نظام الأسرة البديلة وهو يحتوي على شروط وإجراءات معينة وضعتها الوزارة، فإذا توافرت الشروط في الأسرة التي تريد أن تتبنى طفلاً واستوفت جميع الأوراق المطلوبة التي طلبتها منها الوزارة فتقوم بتسليمهم جواب مشاهدة وبناءً على هذا الجواب تذهب الأسرة إلى أي دار أيتام وتختار الطفل على حسب سنه أو جنسه الذي تريده".


تحريم التبني في الإسلام

قال الشيخ "عبده الأزهري"، أحد علماء الأزهر الشريف: "تجوز كفالة الفقير واليتيم غير المسلم وإن كان المسلم أولى بمال الزكاة والصدقة من غيره، أما اليتامى من غير المسلمين واجب تربيتهم تربية إسلامية ولهم مصرف من مصارف الزكاة وهو المؤلفة قلوبهم".

وأضاف الشيخ "الأزهري"، أن التبني معناه اتخاذ الشخص ولد غيره ابنًا له، وهذا محرم في الإسلام وما يترتب عليه حرام من أنه يرثه ويصبح أخًا بالنسب لأبناء من تبناه وهذا لا يجوز شرعًا، أما الكفالة فهي الرعاية والقيام على نفقته وتعليمه وتربيته وهذا من أفضل الأعمال.

وأكد "الأزهري"، أن اليتيم مثله مثل كل طفل يحتاج إلى رعاية وتأديب وتربية وضربه ضربًا غير مبرح ولا مؤذ بغرض التربية والتقويم ليس قهرًا لليتيم وإنما هو مصلحة له، ولكن ينبغي أن يكون في أضيق الحدود لأن ضرب غير الآباء للأطفال يكون أشد إيذاء من معامله آبائهم لهم، وينبغي أن يكون لغرض واحد وهو التربية وليس تنفيسًا عن الغضب معهم حتى لا يقع في إثم قهر اليتيم.

واختتم الشيخ "الأزهري" حديثه، تنتهي كفالة اليتيم بقدرته على الاستقلال بذاته وإنفاقه على نفسه والقيام بشؤونه دون مساعدة لأحد، لذلك ليس هناك سن محدد فهو يختلف من شخص لآخر.


يوم اليتيم

وبالنسبة للجانب النفسي قمنا بالتحدث مع الدكتور هاشم بحري، طبيب نفسي وأستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، عن بعض الأمور الخاصة بدار الأيتام، قائلاً: "من المفترض وجود شروط لاختيار المشرفين على دار الأيتام من الجهة النفسية حيث لا بد من اختيار مشرفات قادرات على التعامل مع الأطفال وأن تعطيهم الحنان الكافي لتعوضهم ولو بقدر قليل عن حرمانهم من والديهم".

وأضاف "بحري"، أنه بالفعل قام بالذهاب لبعض الدور لحثهم على أهمية رعاية الطفل نفسيًا حتى يصبح شخصًا سويًا رغم الظروف المؤلمة التي يتعرض لها وقد قدم المساعدة بتخصيص وقت لدور الأيتام لعلاج الأيتام نفسيًا ومحاولة إخراجهم من حالة الاكتئاب التي يصبح فيها الأطفال الأيتام في فترة المراهقة.

كما أكد "بحري"، أنه على كل دار رعاية أيتام إقامة حفلات ترفيهية ورحلات للترفيه عن الأطفال، مشيرًا أن يوم اليتيم الذي يقوم فيه الناس بالاحتفال باليتيم من خلال زيارتهم قد يؤذي مشاعرهم حيث إنهم يذكرونهم بأنهم أيتام وأن تلك الدار ما هي سوى ملجإٍ لهم، وفي الأخير لا بد من أن نراعي مشاعرهم دائمًا وألا نشعرهم بأنهم عالة على المجتمع.

وأنهى دكتور "بحري" حديثه، بتقديم بعض النصائح لدور الأيتام بأن تكون خير المأوى لهم وأن تكون المشرفات خير أمهات وعدم استغلال الأطفال بأي شكل والمحافظة عليهم لأنهم أمانة من الله.


 محامي: "رغم نجاح مبادرات وزارة التضامن ما زال هناك انتهاكات بالضرب والاعتداء"


حقوق الأيتام والدستور المصري 

قال عمر سليم، المحامي بالنقض والإدارية العليا بخصوص ضرب اليتيم وتعذيبه: "إذا كانت الإصابات ليس بها ضرر كبير نص القانون على الحبس لمدة لا تقل عن ٦ أشهر، وإذا كان المتسبب في الضرب أو الاعتداء أحد القائمين على دور الرعاية تتضاعف العقوبة لتصل لمدة لا تقل عن عام مع تغريمه من ٢٠٠٠ جنيه لتصل إلى ٥٠٠٠ جينه أو إحدى هاتين العقوبتين حسب المادة ٩٦ من قانون الطفل.

وأضاف "سليم": "نصت حقوق الطفل اليتيم في الدستور المصري من المادة (٨٠) أنه يعد طفلاً كل من لم يبلغ الـ١٨ عامًا، ولكل طفل الحق في اسم وأوراق ثبوتية مثل استخراج شهادة الميلاد لإثبات هويته وتطعيم إجباري مجاني ورعاية صحية كاملة وتغذية أساسية ومأوى آمن وتربية دينية ووجدانية ومعرفية، كما تقدر الأطفال أصحاب الإعاقة وتأهيلهم ودمجهم في المجتمع.

وأوضح "سليم"، أن القيمة التي تصرف لليتيم ٣٥٠ ج للفرد و٧٠٠ ج للطفلين في أسرة واحدة شرط أن يكون الطفل يتيم أو أمه مطلقة أو توفيت أو لأب محبوس أكثر من ٦ أشهر، وهذا القرار تم اتخاذه من قبل وزارة التضامن مؤخرًا في إطار حرصها على توفير أوجه الرعاية الكامله لهؤلاء الأطفال.

واختتم "سليم" حديثه قائلاً: "أرى أن الدولة لم تول اهتمامًا كبيرًا لرعاية الأطفال الأيتام لأن نسبة نجاح مبادرات وزارة التضامن الاجتماعي على أرض الواقع لم تصل لحوالي ٦٥٪ لأنه ما زالت هناك انتهاكات للأطفال بالاعتداء بالضرب أو الاعتداء الجنسي أو التحرش سواء بالأيتام أو غير الأيتام".


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

شاركنا برأيك

Back to top button